السبت، 9 مارس 2013

المدخل لتعلم الإسلام (مجموعة دروس في التوحيد وما يتعلق به)


المدخل البسيط لتعلم دين الإسلام
(مجموعة دروس في التوحيد)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
يقول الحق تبارك وتعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران:18: 19)
وقال تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) (الزمر:12 - 15)
هذه مجموعة من الدروس تشرح وتبين – بعون الله وتوفيقه – التوحيد الذي هو حقيقة دين الإسلام وأصله الذي يميِّزه عن سائر الأديان الأخرى، وسوف نتحرى ما استطعنا أن يكون الأسلوب سهلا ميسراً في متناول الجميع، ونتمنى أن لا تكثر المداخلات من هنا وهناك لاستعجال نقطة معينة سنصل إليها بإذن الله، ونتمنى من إخواننا في الإدارة أن يعينونا في منع ما يشتت القارئ ويبعثر الأفكار.
و نذكِّر القارئ الكريم بهذا الدعاء: (( اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)).
فإن الله قد قال في الحديث القدسي: (( .... يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ.... ).
فليكن مراد كل واحد منَّا اتباع الحق بدليله ، ولْنتجرد عن الهوى والتعصب والتقليد وحمية الجاهلية ، ولْنبرهن على ما نعتقده وندين به ، فمن وافق دينه أحسن الأديان عند الله فلْيَعَضَّ عليه بالنواجذ ، ومن خالف دينه ما دان به الموحدون من عهد آدم إلى هذا الزمان ، فلْيعلم أن المعبود واحد ، وأن دينه واحد ، وأن أصل هذا الدين الذي اتفقت عليه جميع الرسالات لا يكون الحق فيه إلا واحدا، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36) ، وقال جل وعلا: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:136 :137)
فليتدارك ما فاته ولْيندم على ما فرَّط من عمره ، ولْيعلم أنه على شفا حفرة من النار، وإن مات وهو معرض عن تعلُّم التوحيد وما يلزمه فالنار مثوى الكافرين، قال تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الحجر2 :3) .
ومن كان من أهل التقليد ولا يدري ما أصل دينه ، فلْيسأل نفسه: وما يدريني أني على حق؟ وأن مخالفي على الباطل؟ وماذا لو مت على هذه الحالة وأنا لست على بيِّنة من أمري؟ ماذا سأجيب رسل ربي عندما يسألاني عن ربي وديني ونبي؟ ولماذا أُنكر ما جاء به مخالفي ولا أدري لعله الحق؟.
-
وها نحن بعون الله وتوفيقه نبين للناس ما ندين به ، وما نعتقد أنه الحق ، وندعو الناس كلهم إليه ، لا ندعوهم إلى اتباعنا ، ولكن ندعوهم إلى الإسلام الذي يريده الله عز وجل وبيَّنه لنا في كتابه، قال تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) (هود:1 :2) ، وقال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (إبراهيم:52). وأرسل به رسله، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13).
ونسأله سبحانه أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وألا يجعله ملتبسا علينا فنضل.
ونحمد الله أن جعلنا مسلمين حنفاء لله غير مشركين به، على ملة إبراهيم عليه السلام نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، لا نرضى بغير الله رباً و لا حكما ولا ولياً ، ولا نبغي غير الإسلام دينا.
ندين لله بالتوحيد ، وترك الشرك ، والبراءة من المشركين ، ونوالي على الإسلام ونعادي عليه ، ونكْفر بكل ما يعبد من دون الله.
وستعرف أيها القارئ كلما قرأتَ درسا من هذه الدروس ما خالفنا فيه الناس، وما فرَّق بيننا وبينهم. فانظر هل الحق معنا أم مع غيرنا. سنترك لك الإجابة!.

---
فنقول سائلين الله العون والهدى والسداد والتوفيق:
الدرس الأول
المعبود واحد ، ودينه واحد ، وأصل دينه واحد

اعلم – أرشدك الله – أن الإسلام هو دين الله الذي شرعه لعباده ليكون منهجا لهم في هذه الحياة وطريقا مستقيما يسيرون عليه؛ لتحقيق ما خُلقوا من أجله، ولأداء حق الله عليهم، وليفوزوا بسعادة الدارين.
والله عز وجل هو الذي يحدد مفهوم هذا الدين وحقيقته ومدخله وأصله وحدوده ولا يمكن لأحد من العباد أن يحدد ما يحبه الله ويرضاه وما يغضبه ويسخطه من غير أن يستند على وحي من الله ؛ ولهذا كان الأصل في العبادات التوقف فلا نتعبد لله إلا بما شرع، فكل ما سوى الله مخلوق ليس له من الأمر شيء ولا عِلْم له إلا ما علمه الله.
وليس فهم الإسلام بعسير على من تجرد للحق وكان هو بغيته مع من كان، فقد فطر الله عز وجل عباده على هذا الدين، ولكن الشياطين اجتالتهم وأبعدتهم عنه، فمِن السهل أن يرجعوا إليه إن صمَّموا وعزموا على ذلك واستعانوا بربهم، فما هي إلا غشاوة لو انزاحت لرأوا الإسلام واضحا وضوح الشمس.
والله عز وجل لم يترك خلقه سدى ولا هملاً وإنما بعث لهم رسله ليعلموهم ويرشدوهم ويردوهم لدين الله كلما ابتعدوا عنه، ففي كل أمة بعث الله لهم رسولا منهم بلسان قومه يدعوهم لعبادة الله وحده وترك ما اتخذوه من معبودات من دونه.
فالإسلام هو دين الله الذي بعث به رسله جميعا من عهد نوح إلى خاتمهم نبينا محمد عليهم جميعا صلاة الله وسلامه، فكلهم على دين واحد ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون50 :51)، فمعنى أمتكم أمة واحدة أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له . قاله ابن كثير
وفي الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم وغيره " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ من عَلاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ .."
قال البغوي في شرح السنة : يريد : أن أصل دين الأنبياء واحد ، وإن كانت شرائعهم مختلفة ، كما أن أولاد العَلات أبوهم واحد ، وإن كانت أمهاتهم شتى . انتهى
ويقول ابن حجر في فتح الباري : ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع . انتهى
والأدلة على أن أصل دين الأنبياء واحد كثيرة فمن شك في ذلك أتيناه بالمزيد من الأدلة لأن الغرض هنا الاختصار.

ولم يتفق الأنبياء في كل شرائع الدين وإنما اتفقوا في أصل الدين الذي يُبنى عليه كل ما سواه ، بمعنى أنهم اتفقوا على أن يعبدوا إلها واحدا لا يشركون به شيئا واختلفوا في الشرائع والعبادات التي يتقربون بها إلى ربهم وإلههم الله الواحد الأحد. كما قال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً )(المائدة: من الآية48)
-
وأصل الدين الذي اتفقوا عليه هو التوحيد توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته ، وهو معنى ومدلول كلمة الإخلاص ( لا إله إلا الله ) قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:25) ومعنى هذا أنه بداية من نوح عليه السلام إلى سيدنا محمد كلهم بُعثوا بـ لا إله إلا الله ، فكان أول ما يبدأ به الرسول دعوته : (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59)
فالأنبياء كلهم على ملة الإسلام مسلمون مؤمنون يدينون لله بالتوحيد والبراءة من الشرك وأهله، ويدعون إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، وتصديق بعضهم مستلزم تصديق سائرهم، وطاعة بعضهم تستلزم طاعة سائرهم، وكذلك التكذيب والمعصية، وقد جعل الله عز وجل الإيمان بهم متلازما، وكفَّر من قال أنه آمن ببعض وكفر ببعض، قال تعال: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:84) وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً ..) (النساء:150: 151) ولم يقبل الله من أحد عملا خالف دين الإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153) -
ومعنى أن التوحيد هو أصل الدين:
1- أن التوحيد هو أول شيء يفعله المشرك ليدخل في الإسلام فهو الباب الوحيد الذي يدخل منه الناس في دين الله. فأي إنسان مهما كانت ملته ودينه لكي يصير مسلما لا بد أن يأتي بالتوحيد أول شيء. والدليل على ذلك أن الرسل كلهم أول ما بدأوا به هو التوحيد
2- والتوحيد هو الأساس الذي يُبنى عليه الدين، وكل شرائع الدين تأتي بعد التوحيد، فبدون توحيد لا يصح شيء من الدين لا الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا الجهاد ولا غيرها، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:124) وقوله (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19) وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) (الانبياء:94) فَشَرَطَ الإيمان لقبول الأعمال الصالحة والتوحيد هو أصل الإيمان. وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65) فالشرك يناقض التوحيد ويهدمه ومن فقد التوحيد لم يُقبل له عمل. وقال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17). والأدلة على ذلك كثيرة.
3- وأيضاً ، معنى أن التوحيد أصل الدين أن كل دين لم يُبْنَ على التوحيد فهو باطل وليس هو بالإسلام الذي يريده الله عز وجل وإن ادَّعى صاحبه أنه على الإسلام، فالمسلم من وحَّد الله وعبده وحده ولم يشرك به شيئا. وليس الإسلام مجرد ادعاء وانتساب إلى نِحلة معينة، وأيضا ليس الإسلام مجرد قول لا إله إلا الله، بل الإسلام استسلام وخضوع لله وحده بعبادته وحده والكفر بما يعبد من دونه بالقول والعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
4- وأيضاً، معنى أن التوحيد هو أصل الدين أنه هو الحد الفاصل بين الكفر والإسلام، وهو العَلَمُ المميز بين المسلمين وغيرهم ، فلا تجد مسلما ليس عنده توحيد هذا يستحيل. وقد تجد من يزعم أنه مسلم وليس عنده توحيد ولكن هذا مجرد زعم وأُمنية يتمناها ولكن الحقيقة أنه ليس بمسلم. قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً *وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ) (النساء:123: 124: 125) قال ابن كثير رحمه الله: والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، وليس كل من ادَّعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال إنه هو على الحق سُمِع قوله بمجرد ذلك ، حتى يكون له من الله برهان ، ولهذا قال تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني ، بل العبرة بطاعة الله سبحانه وإتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام. انتهى
5- وأيضا، معنى أن التوحيد هو أصل الدين أنه أول ما يجب أن ندعو الناس إليه فإن حققوه دعوناهم لما بعده من الصلاة وغيرها، وإن لم يحققوه قولا وعملا فلا داعي للحديث معهم عن الصلاة وغيرها فبدون توحيد سواء أدّوا الصلاة أو تركوها فهم كفار لا يقبل الله منهم عملا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن:
عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم .
وفي رواية أخرى: ((فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات)) وهاتان الرويتان في البخاري وغيره
وفي رواية لمسلم: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات.....)) .
قال ابن حجر في فتح الباري: ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده ، وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة ، ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما ، فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة ، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه كمن يقول ببنوة عزير أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم.انتهى
ولا يتم لهم الدخول في هذا الدين ولا يصح منهم إلا باعتقاد بطلان ما هم عليه من الشرك والضلال ، وتركه ، والبراءة منه.
وأخبره عليه السلام أن من أجابه إلى ذلك فلْيُعلمه شعائر الإسلام وما ينبغي عليه ، ويبدأ بالأهم فالأهم ، ولا يتعدى إلى الثاني حتى يلتزموا الأول ، ولا ينتقل إلى الثالث حتى يلتزموا الثاني؛ أما من خالف في الأول ( الشهادتين) فلا يكون من المسلمين فلا فائدة من أمره بشرائع الإسلام وتعليمه إياها.
-
هذا هو معنى أن التوحيد هو أصل دين الإسلام . فلا بد من تعلمه ومعرفته والاستيقان به ، وبعد العلم به يأتي الاعتقاد بصحته والإقرار به والعمل والالتزام به ، وأما من يجهل التوحيد ولا يميز بينه وبين الشرك فلا يمكن أن يحقق الاعتقاد والإقرار والعمل، ولا يمكن أن يكون في دين الله الحق بل تجده يخلط بين عبادة الله وعبادة غيره ولا يوحد الله ، والله عز وجل يقول: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82) والظلم هنا هو الشرك فمن آمن بالله ورسوله ولم يخلط إيمانه بالشرك فهو المهتدي الآمن من عذاب الله، ومن خلط إيمانه بالشرك فهو الضال المستحق لعذاب الله.
فمن عرف ما قلناه وأيقن به فالحمد لله، ومن احتاج لتوضيح أكثر بذلنا له الجهد في ذلك والموفق هو الله
تابعونا في الدرس القادم إن شاء الله.

هناك تعليق واحد: